فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{الله الّذِي خلق سبْع سماواتٍ ومِن الْأرْضِ مِثْلهُنّ يتنزّلُ الْأمْرُ بيْنهُنّ}
اسم الجلالة خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الله.
وهذا من حذف المسند إليه لمتابعة الاستعمال كما سماه السكاكي، فإنه بعد أن جرى ذكر شؤون من عظيم شؤون الله تعالى ابتداء من قوله: {واتقوا الله ربكم} [الطلاق: 1] إلى هنا، فقد تكرر اسم الجلالة وضميره والإِسناد إليه زهاء ثلاثين مرة فاقتضى المقام عقب ذلك أن يُزاد تعريف الناس بهذا العظيم، ولمّا صار البساط مِليئا بذكر اسمه صح حذفه عند الإِخبار عنه إيجازا وقد تقدم قوله تعالى: {رب السماوات والأرض وما بينهما} في سورة مريم (65)، وكذلك عند قوله: {صم بكم عمي} [البقرة: 18]، وقوله: {مقام إبراهيم} في سورة البقرة (125) فالجملة على هذا الوجه مستأنفة استئنافا ابتدائيا.
والموصول صفة لاسم الجلالة وقد ذُكرت هذه الصلة لما فيها من الدلالة على عظيم قدرته تعالى، وعلى أن الناس وهم من جملة ما في الأرض عبيده، فعليهم أن يتقوه، ولا يتعدوا حدوده، ويحاسبوا أنفسهم على مدى طاعتهم إياه فإنه لا تخفى عليه خافية، وأنه قدير على إيصال الخير إليهم إن أطاعوه وعقابهم إن عصوه.
وفيه تنويه بالقرآن لأنه من جملة الأمر الذي يتنزل بين السماء والأرض.
والسبع السماوات تقدم القول فيها غير مرة، وهي سبع منفصل بعضها عن الآخر لقوله تعالى في سورة نوح (15): {ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا} وقوله: {ومن الأرض مثلهن} عطف على {سبع سموات} وهو يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المعطوف قوله: {من الأرض} على أن يكون المعطوف لفظ الأرض ويكون حرف {مِن} مزيدا للتوكيد بناء على قول الكوفيين والأخفش أنه لا يشترط لزيادة {من} أن تقع في سياق النفي والنهي والاستفهام والشرط وهو الأحق بالقبول وإن لم يكن كثيرا في الكلام، وعدمُ الكثرة لا ينافي الفصاحة، والتقدير: وخلق الأرض، ويكون قوله: {مثلهن} حالا من {الأرض}.
ومماثلة الأرض للسماوات في دلالة خلقها على عظيم قدرة الله تعالى، أي أن خلْق الأرض ليس أضعف دلالة على القدرة من خلق السماوات لأن لكل منهما خصائص دالة على عظيم القدرة.
وهذا أظهر ما تُؤوّلُ به الآية.
وفي إفراد لفظ {الأرض} دون أن يُؤتى به جمعا كما أُتي بلفظ السماوات إيذان بالاختلاف بين حاليهما.
والوجه الثاني: أن يكون المعطوف {مثلهن} ويكون قوله: {ومن الأرض} بيانا للمثل فمصدق {مثلهن} هو {الأرض}.
وتكون {مِن} بيانية وفيه تقديم البيان على المبيّن، وهو وارد غير نادر.
فيجوز أن تكون مماثلة في الكُروية، أي مثل واحدة من السماوات، أي مثل كوكب من الكواكب السبعة في كونها تسير حول الشمس مثل الكواكب فيكون ما في الآية من الإِعجاز العلمي الذي قدمنا ذكره في المقدمة العاشرة.
وجمهور المفسرين جعلوا المماثلة في عدد السبع وقالوا: إن الأرض سبع طبقات فمنهم من قال هي سبع طبقات مُنبسطة تفرق بينها البحار.
وهذا مروي عن ابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه، ومنهم من قال هي سبع طباق بعضُها فوق بعض وهو قول الجمهور.
وهذا يقرب من قول علماء طبقات الأرض (الجيولوجيا)، من إثبات طبقات أرضية لكنها لا تصل إلى سبع طبقات.
وفي (الكشاف) قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه. اهـ.
وقد علمت أنها لا دلالة فيها على ذلك.
وقال المازري في كتابه (المُعلم) على (صحيح مسلم) عند قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الشفعة: «من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه من سبع أرضين يوم القيامة».
كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد كتب إليّ بعد فراقي له: هل وقع في الشرع عما يدل على كون الأرض سبعا، فكتبت إليه قول الله تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} وذكرت له هذا الحديث فأعاد كتابه إليّ يذكر فيه أن الآية محتملة هل مثلهن في الشكل والهيئة أو مثلهن في العدد.
وأن الخبر من أخبار الآحاد، والقرآن إذا احتمل والخبر إذا لم يتواتر لم يصح القطع بذلك، والمسألة ليست من العمليات فيتمسك فيها بالظواهر وأخبارِ الآحاد، فأعدت إليه المجاوبة أحتج لبعد الاحتمال عن القرآن وبسطتُ القول في ذلك وترددتُ في آخر كتابي في احتمال ما قال.
فقطع المجاوبة. اهـ.
وأنت قد تبينت أن إفراد الأرض مشعر بأنها أرض واحدة وأن المماثلة في قوله: {مثلهن} راجعة إلى المماثلة في الخلق العظيم، وأما الحديث فإنه في شأن من شؤون الآخرة وهي مخالفة للمتعارف، فيجوز أن يطوق الغاصب بالمقدار الذي غصبه مضاعفا سبع مرات في الغِلظ والثقل، على أن عدد السبع يجوز أن يراد به المبالغة في المضاعفة.
ولو كان المراد طبقات معلومة لقال: طوقه من السبع الأرضين بصيغة التعريف.
وكلام عبد الحميد أدخل في التحقيق من كلام المازري.
وعلى مجاراة تفسير الجمهور لقوله: {ومن الأرض مثلهن} من المماثلة في عدد السبع، فيجوز أن يقال: إن السبع سبع قطع واسعة من سطح الأرض يفصل بينها البحار نسميها القارات ولكن لا نعني بهذه التسمية المعنى الاصطلاحي في كتب الجغرافيا القديمة أو الحديثة بل هي قارات طبيعية كان يتعذر وصول سكان بعضها إلى بعضها الآخر في الأزمان التي لم يكن فيها تنقّل بحري وفيما بعدها مما كان ركوب البحر فيها مهولا! وهي أن آسيا مع أوروبا قارة، وإفريقيا قارة، وأستراليا قارة، وأميركا الشمالية قارة، وأميركا الجنوبية قارة، وجرولندة في الشمال، والقارة القطبية الجنوبية.
ولا التفات إلى الأجزاء المتفرقة من الأرض في البحار، وتكون {من} تبعيضية لأن هذه القارات الاصطلاحية أجزاء من الأرض. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{وكأيِّنْ مِنْ قرْيةٍ عتتْ عنْ أمْرِ ربِّها ورُسُلِهِ فحاسبْناها حِسابا شدِيدا}
{كأين}: هي كاف الجر دخلت على أي، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمرو: {وكائن} ممدود مهموز، كما قال الشاعر:
وكائن بالأباطح من صديق

وقرأ بعض القراء: {وكأين} بتسهيل الهمزة، وفي هذين الوجهين قلب لأن الياء قبل الألفات، وقوله تعالى: {فحاسبناها} قال بعض المتأولين: الآية في الآخرة، أي ثم هو الحساب والتعذيب والذوق وخسار العاقبة. وقال آخرون: ذلك في الدنيا، ومعنى: {فحاسبناها حسابا شديدا} أي لم نغتفر لها زلة بل أخذت بالدقائق من الذنوب، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكران: {نكُرا} بضم الكاف، وقرأ الباقون: {نكْرا} بسكون الكاف وهي قراءة عيسى، وقوله تعالى: {أعد الله لهم عذابا شديدا} يظهر منه أنه بيان لوجه خسران عاقبتهم، فيتأبد بذلك أن تكون المحاسبة والتعذيب والذوق في الدنيا، ثم ندب تعالى {أولي الألباب} إلى التقوى تحذيرا، وقوله تعالى: {الذين آمنوا} صفة ل {أولي الألباب}، وقرأ نافع وابن عامر: {صالحا ندخله} بالنون، وكذلك روى المفضل عن عاصم، وقرأ الباقون: {يدخله} بالياء، وقوله تعالى: {قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا} اختلف الناس في تقدير ذلك، فقال قوم من المتأولين: المراد بالاسمين القرآن، ف {رسول} يعني رسالة، وذلك موجود في كلام العرب، وقال آخرون: {رسولا} نعت أو كالنعت لذكر، فالمعنى ذكر ذا رسول، وقيل الرسول: ترجمة عن الذكر كأنه بدل منه، وقال آخرون: المراد بهما جميعا محمد وأصحابه، المعنى: ذا ذكر رسولا، وقال بعض حذاق المتأولين الذكر: اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: واحتج بهذا القاضي ابن الباقلاني في تأويل قوله تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء: 2]، وقال بعض النحاة معنى الآية {ذكرا} بعث {رسولا} فهو منصوب بإضمار فعل، وقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون {رسولا} معمولا للمصدر الذي هو الذكر.
قال القاضي أبو محمد: وأبين الأقوال عندي معنى أن يكون الذكر للقرآن والرسول محمد، والمعنى بعث رسولا، لكن الإيجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول ونحا هذا المنحى السدي، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر: {مبيّنات} بفتح الياء، وقرأها بكسر الياء ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي والحسن والأعمش وعيسى، وسائر الآية بين، والرزق المشار إليه رزق الجنة لدوامه ودروره.
{الله الّذِي خلق سبْع سماواتٍ ومِن الْأرْضِ مِثْلهُنّ}
لا خلاف بين العلماء أن السموات سبع، لأن الله تعالى قال: {سبعا طباقا} [الملك: 3، نوح: 15] وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهن في حديث الإسراء، وقال لسعد: «حكمت بحكم الملك من فوق سبع أرقعة»، ونطقت بذلك الشريعة في غير ما موضع، وأما {الأرض} فالجمهور على أنها سبع أرضين، وهو ظاهر هذه الآية، وأن المماثلة إنما هي في العدد، ويستدل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين»، إلى غير هذا مما وردت به روايات، وروي عن قوم من العلماء أنهم قالوا: الأرض واحدة، وهي مماثلة لكل سماء بانفرادها في ارتفاع جرمها، وقر أن فيها عالما يعبد كما في كل سماء عالم يعبد، وقرأ الجمهور: {مثلهن} بالنصب، وقرأ عاصم: {مثلُهن} برفع اللام، و{الأمر} هنا الوحي وجميع ما يأمر به تعالى من يعقل ومن لا يعقل، فإن الرياح والسحاب وغير ذلك مأمور كلها، وباقي السورة وعظ، وحض على توحيد لله عز وجل، وقوله تعالى: {على كل شيء قدير} عموم معناه الخصوص في المقدورات، وقوله: {بكل شيء} عموم على إطلاقه. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وكأيّن مّن قرْيةٍ} أي كثيرٌ من أهلِ قريةٍ {عتتْ} أي أعرضتْ {عنْ أمْرِ ربّها ورُسُلِهِ} بالعُتوِّ والتمردِ والعنادِ {فحاسبناها حِسابا شدِيدا} بالاستقصاءِ والتنفيرِ والمناقشةِ في كلِّ نقيرٍ وقِطْميرٍ {وعذبناها عذابا نُّكْرا} أي مُنكرا عظيما. وقرئ {نكرا}، والمرادُ حسابُ الآخرةِ وعذابُها، والتعبيرُ عنهما بلفظِ الماضِي للدلالةِ على تحققِهِما كما في قوله تعالى: {ونادى أصحاب الجنة} {فذاقتْ وبال أمْرِها وكان عاقبة أمْرِها خُسْرا} هائلا لا خُسر وراءهُ.
{أعدّ الله لهُمْ عذابا شدِيدا}
تكريرٌ للوعيدِ وبيانٌ لكونِه مترقبا كأنّه قيل أعدّ الله لهم هذا العذاب {فاتقوا الله ياأولى الألباب} ويجوزُ أن يراد بالحسابِ استقصاءُ ذنوبهِم وإثباتُها في صحائفِ الحفظةِ وبالعذابِ ما أصابهُم عاجلا، وقد جُوِّز أن يكون عتتْ وما عُطف عليهِ صفة للقريةِ وأعدّ لهم جوابا لقوله تعالى كأيِّن {الذين كفرُواْ} منصوبٌ بإضمارِ أعنِي بيانا للمُنادى أو عطفُ بيانٍ لهُ أو نعتٌ، وفي إبدالهِ منهُ ضعفٌ لتعذرِ حلولِهِ محلّه. {قدْ أنزل الله إِليْكُمْ ذِكْرا} هو جبريل عليه السلام سمِّي بهِ لكثرةِ ذكرِهِ أو لنزولِه بالذِكر الذي هُو القرآن كما ينبئُ عنْهُ إبدالُ قوله تعالى: {رسُولا} منْهُ أو لأنّه مذكورٌ في السمواتِ وفي الأمم، أو أُريد بالذكرِ الشرفُ كما في قوله تعالى: {وإِنّهُ لذِكْرٌ لّك ولِقوْمِك} كأنّه في نفسِه شرفٌ إما لأنه شرفٌ للمنزلِ عليهِ وإما لأنّه هو مجدٌ وشرفٌ عند الله تعالى كقوله تعالى: {عِند ذِى العرش مكِينٍ} أو هُو النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وعليهِ الأكثرُ عبر عنهُ بالذكرِ لمواظبتِهِ على تلاوةِ القرآن أو تبليغِهِ والتذكيرِ بهِ وعبر عن إرسالِهِ بالإنزالِ بطريقِ الترشيحِ أو لأنه مسببٌ عن إنزالِ الوحيِ إليهِ، وأُبدل منهُ رسولا للبيانِ أو هو القرآن ورسولا منصوبٌ بمقدرٍ مثلُ أرسل أوْ بذكرا على إعمالِ المصدرِ المنونِ أو بدلٌ منْهُ على أنّه بمعنى الرسالةِ وقوله تعالى: {يتْلُو عليْكُمْ ءايات الله مبينات} نعتٌ لرسولا وآياتُ الله القرآن ومبيناتٍ حالٌ منها أي حال كونِها مبيناتٍ لكُم ما تحتاجون إليهِ من الأحكامِ وقرئ {مبيّناتٍ} أي بينها الله تعالى لقوله تعالى: {قدْ بيّنّا لكُمُ الأيات} واللامُ في قوله تعالى: {لّيُخْرِج الذين ءامنُواْ وعمِلُواْ الصالحات} متعلقةٌ بـ: {يتلُو} أو بـ: {أنزل} وفاعلُ {يخرج} على الأولِ ضميرُ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أو ضميرُ الجلالةِ، والموصولِ عبارةٌ عنِ المؤمنين بعد إنزالهِ أي ليحصل لهم الرسولُ أو الله عزّ وعلا ما هُم عليهِ الآن من الإيمانِ والعملِ الصالحِ أو ليخرج من علِم أو قدّر أنّه سيؤمنُ {مِن الظلمات إِلى النور} من الضلالةِ إلى الهُدى {ومن يُؤْمِن بالله ويعْملْ صالحا} حسبما بُين في تضاعيفِ ما أُنزل من الآياتِ المبيناتِ {يُدْخِلْهُ جنات تجْرِى مِن تحْتِها الأنهار} وقرئ {نُدْخِلْهُ} بالنون وقوله تعالى: {خالدين فِيها أبدا} حالٌ من مفعولِ {يُدخلْهُ} والجمعُ باعتبارِ معْنى {منْ} كما أنّ الإفراد في الضمائرِ الثلاثةِ باعتبارِ لفظِها. وقوله تعالى: {قدْ أحْسن الله لهُ رِزْقا} حالٌ أُخرى منْهُ أو من الضميرِ في {خالدين} بطريقِ التداخلِ وإفرادُ ضميرِ {لهُ} قد مرّ وجهُه وفيهِ معْنى التعجبِ والتعظيمِ لما رزقهُ الله المؤمنين من الثوابِ.
{الله الذي خلق سبْع سموات}
مبتدأٌ وخبرٌ {ومِن الأرض مِثْلهُنّ} أي خلق من الأرضِ مثلهُنّ في العددِ. وقرئ {مثلهُن} بالرفعِ على أنه مبتدأٌ و{مِن الأرضِ} خبرُهُ.
واختلف في كيفيةِ طبقاتِ الأرضِ فالجمهورُ على أنها سبعُ أرضين طباقا بعضُها فوق بعضٍ بين كلِّ أرضٍ وأرضٍ مسافةٌ كما بين السماءِ والأرضِ وفي كلِّ أرضٍ سكانٌ من خلقِ الله تعالى وقال الضحاكُ مطبقةٌ بعضُها فوق بعضٍ من غيرِ فتوقٍ بخلافِ السمواتِ قال القرطبيُّ والأولُ أصحُّ لأنّ الأخبار دالةٌ عليهِ كما روى البخاريُّ وغيرُه مِنْ «أنّ كعبا حلف بالذي فلق البحر لمُوسى أنّ صُهيبا حدّثهُ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريدُ دخولها إلا قال حين يراها اللهم ربِّ السمواتِ السبعِ وما أظللن وربّ الأرضين السبعِ وما أقللن وربّ الشياطينِ وما أضللن وربّ الرياحِ وما أذرين نسألُك خير هذه القريةِ وخير أهلِها ونعودُ بك من شرِّها وشرِّ منْ فيها» وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهُما أنّ نافع بن الأزرقِ سألهُ هلْ تحت الأرضين خلقٌ قال نعمْ قال فما الخلقُ قال إما ملائكةٌ أو جنٌّ. قال الماورديُّ وعلى هذا تختصُّ دعوةُ الإسلامِ بأهلِ الأرضِ العُليا دون منْ عداهُم وإنْ كان فيهنّ منْ يعقلُ منْ خلقٍ وفي مشاهدتِهِم السماء واستمدادِهِم الضوء منها قولانِ أحدُهما أنهم يشاهدون السماء من كُلِّ جانبٍ من أرضِهِم ويستمدون الضياء منها والثاني أنهم لا يشاهدون السماءِ وأنّ الله تعالى خلق لهم ضياء يشاهدُونهُ.
وحكى الكلبيُّ عن أبي صالحٍ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهُما أنها سبعُ أرضين متفرقةٌ بالبحارِ وتُظِلُّ الجميع السماءُ {يتنزّلُ الأمر بيْنهُنّ} أي يجْرِي أمرُه وقضاؤُه بينهنّ وينفذُ ملكُهُ فيهنّ.
وعن قتادة: في كلِّ سماءٍ وفي كلِّ أرضٍ خلقٌ من خلقِه وأمرٌ من أمرِه وقضاءٌ من قضائِه.
وقيل هو ما يُدبرُ فيهنّ من عجائبِ تدبيرِه.
وقرئ {ينزلُ الأمرُ}.
{لّتعْلمُواْ أنّ الله على كُلّ شيء قدِيرٌ} متعلقٌ بـ: {خلق} أو بـ: {يتنزلُ} أو بمضمرٍ يعمُّهما أيْ فعل ذلك {لتعلمُوا أنّ} منْ قدر على ما ذُكر قادرٌ على كلِّ شيءٍ {وأنّ الله قدْ أحاط بِكُلّ شيء عِلْما} لاستحالةِ صدورِ الأفاعيلِ المذكورةِ ممن ليس كذلك ويجوزُ أن يكون العاملُ في اللامِ بيان ما ذُكر من الخلق وتنزّلِ الأمرِ أيْ أوْحى ذلك وبيّنهُ لتعلمُوا بما ذكر من الأمورِ التي تشاهدونها والتي تتلقّونها من الوحي من عجائبِ المصنوعاتِ أنه لا يخرجُ عن قدرتِهِ وعلمِهِ شيءٌ ما أصلا وقرئ {ليعلمُوا}. اهـ.